كورونا الصين ودونكيشوتيات المسلمين
د. احمد ميسر
اثارت اخبار انتشار فايروس كورونا في
الصين مواقف اممية متنوعة يأتي في مقدمتها موقف الامة الصينية والتي سجل على
اراضيها اولى حالات الاصابة والوفاة جراء اصابة مواطنيها بهذا الفايروس والتي
سارعت باستنفار كافة الجهود الطبية والعلمية والادارية فيها لاحتواء الفايروس
والمصابين به ومواصلة الليل بالنهار في محاولة لاكتشاف ترياق ناجع له وهددت على
لسان رئيسها بمحاسبة شديدة لكل من يؤشر بحقه من الكوادر كافة اي تقصير في اداء
واجبه في تقديم افضل الخدمات لبلده ومواطنيه وفي مقدمتهم المرضى فيما اجتمعت منظمة الصحة العالمية للتباحث في
امكانية اعلان حالة الطوارئ تحسبا ﻹنتشار
المرض في بلدان اخرى وعلى وجه الخصوص تلك التي تعاني انظمتها الصحية من مستوى متردي
لايتمكن من سد حاجة مواطنيها للعلاج والوقاية من الامراض في الحالات الاعتيادية
فكيف في حالات الازمات والطوارئ ومحاولة تقديم كافة المساعدات اللازمة لمن يحتاجها
في ارجاء المعمورة
فضلا عن الكثير من المواقف التي اتسمت بالتفكير
الجدي العلمي والواقعي والذي اتخذته الكثير من الامم وخصوصا تلك المعروفة بتقدمها
الانساني والعلمي ومن ضمنه بطبيعة الحال تقدمها في المجال الطبي حرصا منها على صحة وسلامة مواطنيها
اما الموقف " المضحك - المبكي " في
ذات الوقت فصدر وكالعادة من اكثر الامم في عالمنا المعاصر بعدا عن التفكير العقلي
والعلمي والانساني والمتمثلة بالامة الاسلامية
فالامم الاخرى تجدها منشغلة بدراسة
الاسباب الطبية و الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تقف وراء ظهور
الفايروس وانتشاره وتأثيراته الحالية والمستقبلية بابعادها المتنوعة فيما تنشغل
نسبة من رجال الدين الاسلامي والدعاة والائمة والخطباء ومن يطرحون انفسهم كمثقفين
اسلاميين في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي في نقاشات
موغلة في السفسطائية والعنصرية والتخلف والانحياز للتفكير الخرافي البعيد بعد
المشرقين عن الاخذ بالاسباب الموضوعية اللازمة لتحليل ظاهرة انتشار الفايروس
وتأثيراتها على المجتمع الدولي الذي يشكل المسلمين جزء منه فالمرض بلا ادنى شك لا
يميز بين كون المريض مسلما ام بوذيا ام مسيحيا ام ملحدا باستثناء طريقة التفكير
الاسلاموية التي لا اجد مثالا يعبر عنها
اكثر من المثال الدونكيشوتي
فدون كيشوت بطل الرواية التي تحمل نفس الاسم
لمؤلفها الروائي الاسباني المبدع سيرفانتس و كما يصفه بعض الباحثين
" رجل يعيش في عصره في حين ان عقله ينتمي الى عصر اخر اي انه كان
يعيش في عصر التحولات بينما عقله ما يزال يعيش في عصر لم يعد موجودا .. منسجما مع
نفسه ومتناقضا مع العالم من حوله"
فاتباع طريقة التفكير الاسلاموية الدونكيشوتية تجدهم تارة يعزون سبب ظهور
المرض وانتشاره الى "عقاب الهي"
حل بالصين نتيجة اضطهادها للمسلمين الايغور ان صحت اصلا هذه الرواية الاميركية /
التركية المغلفة بغلاف التباكي على حقوق الانسان من قبل الاميركان وحقوق المسلمين
الاتراك من جهة تركيا في هذا التوقيت بالذات
والذي لم يكن في يوم ما الا نتيجة تخطيط مدروس لا يمت للصدفة وعوالمها باي
حال من الاحوال -
لا ندري لماذا يتباكى المتأسلمين والمتأمركين
على حقوق الايغور في الصين - مع احترامنا لحقوق الانسان في اي مكان وزمان من اي
دين او عرق كان - ولا نجدهم يتباكون على
حقوق مسلمين اخرين في بقاع اخرى من العالم لا زالت دماء شهدائهم لم تجف وجثثهم تحت
انقاض بيوتهم المدمرة والتي دفعت بعوائلهم قسرا للرضوخ لحياة الذلة والمسكنة في
مخيمات النازحين داخل اوطانهم في الموصل والانبار وتكريت في العراق والكثير من
المدن السورية والليبية والتي لم يتسبب بها اولا وثانيا وثالثا واخيرا الا هؤلاء
المتأسلمين والمتأمركين انفسهم المتباكين اليوم على معاناة الايغور وفي هذا
التوقيت الامريكي - الاسلاموي بالذات
لماذا حل الغضب الالهي بالصين
لاضطهادها المسلمين في الصين ولم يحل ذلك الغضب بامريكا وحلفائها ممن اضهدوا
المسلمين منذ اكثر من قرن من الزمان ولا يزالون في كثير من بقاع العالم المختلفة
والذين وبقدرة قادر تجدهم من اكبر الداعمين للمسلمين في حالة كونهم مشاريع ارهابية
او اسلامية سياسية تتكفل نيابة عنهم في تخريب بلدان المسلمين وتضعفها الى الحد
الذي يمكن الاميركان من الاستيلاء عليها بابخس الاثمان والجهود اما الحالة الثانية
التي تهتم بها امريكا بحقوق المسلمين وتتباكى عليهم وعلى حقوقهم اشد البكاء فتتمثل
بكون حالتهم تلك حالة اقلية مسلمة في بلد غير مسلم فتجد امريكا اول المندسين في
ملفهم لتحريضهم وتأجيجهم على بلدانهم ليكونوا وقود فتنة وتخريب لتلك البلدان التي ﻹمريكا
تنافس او عداء معها او مطامع فيها
عجيب امر ذلك الاسلاموي الذي ينظر بعين
عوراء الى مايحل بالبشر من مصائب فتجده ينتشى فرحا وتشفيا حين يصاب بضع مئات من
ابناء بلدان غير اسلامية بمرض او كارثة ما ويصدر حكمه القاطع وكأنه المتحدث الرسمي
باسم السماء بان هذا المرض او تلك الكارثة هي غضب الهي يستحقونه فيما يغض الطرف عن
الالاف بل ملايين الشهداء من ابناء البلدان التي يشكل المسلمين اغلبية عددية
فيها والتي لم يتسبب في دمارها كما اسلفنا
الا فكره الديني الرجعي اللانساني بدعم من الامريكي الصديق اللدود لارهابيي وخوارج
العالم الاسلامي
يبكي على الايغور في الصين ويمﻷ الدنيا
ضجيجا بضرورة اغاثتهم ونجدتهم لكنه لا يرضى ان يتنازل عن فلس احمر واحد من ايجار
غرفة او شقة من بيته لابن مدينته المنكوبة
الذي هدم بيته في الحرب الاخيرة ضد داعش ولا يجد مأوى له ولعائلته في ظل غياب اي
صيغة من صيغ دعم المسلمين في بقاع الارض وخصوصا الاغنياء منهم للمسلمين المنكوبين
في العراق وسوريا وليبيا واليمن ام هل سحب منهم الاسلامويين النسبة للاسلام كما
سبق وان سحبت منهم حليفة الاسلاموين امريكا صفة الانسانية
كنا نتمنى منهم ان يمدوا يد المساعدة
للمنكوبين في العراق وسوريا وغيرهما بكافة اطيافهم واعراقهم وان يدعو الله ان يحل
السلام والوئام بين البشر اجمعين مشفوعة بدعوة لهداية الجميع الى
مايحبه الله ويرضاه حقيقة وليس مايحبه ويرضاه بعض رجال الدين الشيزوفرينيين
كم كنا سنكون متحضرين وانسانيين لو
استبدلنا الدعاء على المرضى المساكين في الصين بالدعاء لهم بالشفاء وتخفيف الالام
وكم كانت صورتنا امام العالم ستتحسن لو استبدل المتشفين بالصين ومرضاها حالة
التشفي الدنيئة تلك بمبادرة راقية تتمثل بارسال اطباء ومساعدات من المسلمين
للصينيين تعينهم في مصيبتهم التي نعتقد ان الله وحده وليس سواه من يملك حق تقرير
اكانت ابتلاء ام عقاب ليردها الصينيين للمسلمين في حال تعرضهم لذات المصيبة
لكننا للاسف نتعامل مع عقليات اسلاموية
دونكيشوتية بامتياز لاتنظر للعالم الا بمنظارها هي ولا تقيم وزنا لمايراه ويعتقده
الاخرين سابحة في هلوساتها الذاتية التي تفصلها تمام الفصل عن الواقع المحيط بها
وكأنها امة تعيش في فراغ كوني لا يشاركها فيه احد والذي ان استحضرته في مخيلتها
فبغرض الاعلاء الزائف من قدر ذاتها المتورمة والحط من قدر الذوات الاممية الاخرى
كلما اوتيت الى ذلك سبيلا
الامر الذي وصل الى درجة تجيير اي حدث
بيئي او فلكي لصالح تلك النظرة الدونكيشوتية البائسة المتكررة حد القرف والغثيان
من سذاجتها وانتقائيتها وكيلها بمكيالين
فاذا حدث فيضان في بلد غير اسلامي فهو كالعادة غضب من الله وانتقام من
الكفار الذين هيأ الله لهم عيشة ضنكا في هذه الدنيا قبل ضنك الاخرة لكن ان حدث
فيضان في بلد اسلامي واوقع عددا اكبر من الضحايا والخسائر في الارواح والممتلكات
فستنقلب المعادلة فورا ويصبح ذلك الفيضان المدمر رحمة من الرحمات التي يسوقها الله
لعباده المسلمين حصرا ليزيد من حسناتهم ويمحو من سيئاتهم ويرفع من درجاتهم في
الدنيا والاخرة فالمؤمن مبتلى والمؤمن مصاب وهذه الدنيا هي سجن المؤمن وجنة الكافر
وكل مايفجع به من خسائر بسبب الفيضان فهو خير له وسيتلقى التعويض العاجل في الدنيا
والاجل في الاخرة
هكذا وبهذه البساطة يتم تحليل نفس
الحدث بكافة نتائجه الواقعية بعقلية مزاجية صرفة فتارة عقاب للكافر وتارة اخرى
ابتلاء للمسلم اما الاسباب والنتائج المنطقية التي تقف وراء هذا الفيضان والاجراءات
الواجب اتخاذها للحيلولة دون حدوثه او التقليل من اثاره السلبية في حالة الحدوث
فامر لايعني العقلية الاسلاموية الدونكيشوتية باي حال من الاحوال
والامر الذي يتعلق بالامم يتم سحبه على
الافراد فالشخص العادي ان تعرض ﻹي حادث في حياته فان مايهم العقل الاسلاموي
الدونكيشوتي هو الوقوف على خلفية ذلك الشخص الدينية ليقرر بعدها نيابة عن الله
ماسوف يصدر بحقه من احكام لا تمت للعقل والروح الانسانية بأي صلة
اننا امة دونكيشوتية تعاني انفصاما
حادا في شخصيتها مابين العالم الافتراضي الذي تخيله لها هلوساتها المريضة و عالم واقعي
تتشارك فيه الامم الاخرى عداها يومياتيه بافراحه واتراحه ولا تقيم وزنا ايا كان
لامة الدونكيشوتيين التي تصر على محاربة طواحين الهواء بدون كلل او ملل مما جعلها
موضع تندر وسخرية الامم منذ ان وصف حالها يوما
المتنبي بقوله :
اغاية الدين ان تحفوا شواربكم
يا امة ضحكت من جهلها الامم
ويبدو ان كل ذلك العدد المهول من
الصدمات والنكبات التي حلت بها ولا زالت لم تتمكن من ازاحة ولو حجر صغير من جبل
الشيزوفرينيا القابع بين ثنايا شخصيتها الجمعية وما اشبه اليوم بالبارحة فالمتنبي
الذي صدح بحقيقة وضعها الدونكيشوتي المضحك للامم قبل قرون يردد صدى صيحته اليوم
الشاعر الموصلي المعاصر د.وليد الصراف بقوله :
جاء المغول ودون كيشوت منتفضا
ما زال يضرب اعناق الطواحين !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق