الابداع
تحت عنوان
لا هوية
بقلم الشاعر البارون
الأخير / محمود صلاح الدين
فوجئت قبل ايام
بفيديو غريب من نوعه ومستفز الى ابعد حدود الاستفزاز من برنامج على قناة القاهرة والناس
وكان غريبا في طرحه وفي توقيته وانا اعتبره طبلا من تلك الطبول التي تثير الفتن في
العالم
وكان فحوى الفيديو
تسليط الضوء على الاصول الكوردية لبعض الشخصيات الفكرية والادبية والشعرية الرائدة
في عالم الثقافة العربية المعاصرة كالعقاد واحمد شوقي وغيرهما
بادئ ذي بدء احب
التذكير بالآية القرآنية الكريمة التي تؤكد على ان التفاضل بين بني البشر يكون على
اساس الجهد الفردي للإنسان في سعيه لان يكون بمستوى ايماني وانساني ارقى قال تعالى(
ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) فضلا عن قوله تعالى ( انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
) لا لتتفاضلوا فيما بينكم بالأحساب والانساب وهي شئ لم يكن لكم اي فضل في اختيارها
من الاساس وهي طريقة تفكير جاهلية عنصرية لطالمها فندها الاسلام وهدم اركانها لأنها
تتعارض مع القصد الالهي بان تكون التقوى هي محل التفاضل الذي يتنافس فيه المتنافسون
لا تصورات عرقية واثنية جاهلية بكل ما في كلمة جاهلية من معنى , لذلك فلا يوجد لدينا
اي موقف عنصري جاهلي تجاه اي شخصية فكرية انسانية استنادا لانتمائها الى هذا العرق
البشري او ذاك فكلنا كما يقول الرسول محمد ( ص) من ادم وادم من تراب
لكن ما استوقفني
صراحة في الموضوع عن طريق محاولة قراءة ما بين سطور الحلقة هو المنهجية التي تقف وراء
طرح الموضوع من زاوية يفهم منها انها زاوية حق اريد بها باطل
الحلقة انموذج لما يمكن ان نطلق عليه تسمية ( الشعوبية
المعاصرة )
التي تحاول بشتى
السبل ان تنتقص من كل ما يمت للعروبة بصلة عبر عملية مركبة اجتزائية من جهة تجتزئ وتقتلع
بطريقة تعسفية هذا النص او تلك الشخصية من وسط المشهد التاريخي والابداعي بأسره ثم
ما تلبث ان تتبعها عملية تضخيم ممنهجة لذلك النص او الحدث او الشخصية في محاولة لابراز
تاريخ مقتطع مضخم ممسوخ يحل بديلا عن النص او الحدث او الشخصية الاصلية
وتلك عملية ممنهجة
لتزوير التاريخ والذاكرة الجمعية للمنطقة واستبدالها بنسخة مستوردة مشوهة تخدم اغراض
ومقاصد المنتجين لها
وظاهرة الشعوبية
كما هو معلوم تاريخيا حركة لها جذور موغلة في القدم ممكن ان نرجعها الى تاريخ موازي
لتاريخ النهضة العربية الاسلامية ذاتها
فالبخاري على سبيل
المثال فارسي الاصل فيما الفارابي تركي وهكذت دواليك اذن الحضارة العربية نهضت على
اكتاف غير العرب اذن لا داعي من الاساس لنعتها بالعربية
لكن فات هؤلاء
المغرضين والسطحيين ان كل من تم ذكر اسمائهم من العلماء والمفكرين حتى وان كانوا نسبا
غير عرب فانهم ثقافيا وحضاريا ابناء اقحاح للحضارة العربية فاللغة التي كتبوا بها فكرهم
كانت بالاساس هي اللغة العربية والبيئة التي ابدعوا فيها هي بيئات سواء اكانت عربية
او غير عربية جغرافيا لكنها بيئات عربية ثقافة
فاللغة السائدة
في تلك البيئات على تنوعها الجغرافي هي اللغة العربية بهيكلية عقلية ولغوية جمعية عربية
لقد كانت اشبه بما يدعى اليوم برابطة الدول الفرانكفونية وهي رابطة لمجموعة دول متنوعة
عرقيا وجغرافيا لكنها تتحدث بلغة توحدها ثقافيا وهي اللغة الفرنسية فالاشخاص والدول
المنضوية في الفرانكفونية هم فرنسيون ثقافة لا عرقا او جغرافية والامر ذاته ينطبق على
الكثير من الامثلة من تاريخنا القديم والمعاصر كشخصيات كافراد ومجتمعات ودول فهي كلها
منضوية تحت مظلة الثقافة العربية الاسلامية
والغريب في الامر ان الحركات اننا في عالم اليوم نبحث عن هويات جامعة موحدة
لا تلغي او تقصي الهويات الفرعية بل توحدها وتتماهى معها في عملية تأثر وتأثير ابداعية
واعية تنتج هويات انسانية ابداعية متجددة على العكس من منهجية البحث عن كل ما هو تجزيئي
وتقسيمي ومتضاد يسعى الى ابراز وتضخيم الهويات الفرعية سعيا الى عملية الغاء وتضاد
تعمل على جعل عملية التعايش والتكامل امرا عسير المنال ويدخل المنطقة في غياهب مايعرف
بالفوضى الخلاقة فالحذر كل الحذر من امثال تلك الطروحات المسمومة التي تعد حلقة البرنامج
الذي بثته قناة القاهرة والناس انموذجا صارخا عليها
نعم لدعوات واعية
الى جمع الهويات الفرعية في بوتقة هوية كبرى جامعة تعتمد القواسم المشتركة الابداعية
والانسانية للهويات الفرعية لخلق ثقافة جمعية بناءة بامكانها ان تكون حجر الاساس لمشروع
نهضوي انساني توحيدي يتمكن من انتشال المنطقة من حالة النكوص التي تراوح عندها منذ
قرون بائسة مضت ولحد لحظة كتابة هذه السطور
.........................
والله ولي التوفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق